فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونقل أيضا بعض مقالة للاب «إنستاس الكرملى» نشرت في العدد الرابع عشر من السنة الخامسة من مجلة المشرق الكاثوليكية البيروتية قال تحت عنوان «قدم التعبد للعذراء» بعد ذكر عبارة سفر التكوين في عداوة الحية للمرأة ونسلها وتفسير المرأة بالعذراء: «ألا ترى أنك لا ترى من هذا النص شيئا ينوه بالعذراء تنويها جليا إلى أن جاء ذلك النبي العظيم» إيليا «الحى فأبرز عبادة العذراء من حيز الرمز والابهام إلى عالم الصراحة والتبيان».
ثم فسر هذه الصراحة والتبيان بما في سفر الملوك الثالث (بحسب تقسيم الكاثوليك) من أن إيليا حين كان مع غلامه في رأس الكرمل أمره سبع مرات أن يتطلع نحو البحر فأخبره الغلام بعد تطلعه المرة السابعة: أنه رأى سحابة قدر راحة الرجل طالعة من البحر.
قال صاحب المقالة: فمن ذلك النشئ (أول ما ينشأ من السحاب).
قلت: إن هو إلا صورة مريم على ما أحقه المفسرون بل وصورة الحبل بلا دنس أصلى، ثم قال: هذا أصل عبادة العذراء في الشرق العزيز، وهو يرتقى إلى المائة العاشرة قبل المسيح، والفضل في ذلك عائد إلى هذا النبي إيليا العظيم، ثم قال: ولذلك كان أجداد الكرمليين أول من آمن أيضا بالاله يسوع بعد الرسل والتلامذة، وأول من أقام للعذراء معبدا بعد انتقالها إلى السماء بالنفس والجسد، انتهى.
(2) قوله تعالى: {قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق} إلى آخر الآية هذه الآية والتى تتلوها جواب المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام عما سئل عنه وقد أتى عليه السلام فيه بأدب عجيب: فبدأ بتسبيحه تعالى لما فاجأه أن سمع ذكر ما لا يليق نسبته إلى ساحة الجلال والعظمة وهو اتخاذ الناس إلهين من دون الله شريكين له سبحانه فمن أدب العبودية أن يسبح العبد ربه إذا سمع ما لا ينبغى أن يسمع فيه تعالى أو ما يخطر بالبال تصور ذلك، وعليه جرى التأديب الإلهى في كلامه كقوله: {وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه} (الأنبياء: 26) وقوله: {ويجعلون لله البنات سبحانه} (النحل: 57).
ثم عاد إلى نفى ما استفهم عن انتسابه إليه، وهو أن يكون قد قال للناس اتخذوني وأمى إلهين من دون الله، ولم ينفه بنفسه بل بنفى سببه مبالغة في التنزيه فلو قال: لم أقل ذلك أو لم أفعل لكان فيه إيماء إلى إمكان وقوعه منه لكنه لم يفعل، لكن إذا نفاه بنفى سببه فقال: {ما يكون لى أن أقول ما ليس لى بحق} كان ذلك نفيا لما يتوقف عليه ذلك القول، وهو أن يكون له أن يقول ذلك حقا فنفى هذا الحق نفى ما يتفرع عليه بنحو أبلغ نظير ما إذ قال المولى لعبده: لم فعلت ما لم آمرك أن تفعله؟ فإن أجاب العبد بقوله: «لم أفعل» كان نفيا لما هو في مظنة الوقوع، وإن قال: «إنا أعجز من ذلك» كان نفيا بنفى السبب وهو القدرة، وإنكارا لاصل إمكانه فضلا عن الوقوع.
وقوله: {ما يكون لى إن أقول ما ليس لى بحق} إن كان لفظ {يكون} ناقصة فاسمها قوله: {أن أقول} وخبرها قوله: {لى} واللام للملك، والمعنى: ما أملك ما لم أملكه وليس من حقى القول بغير حق، وإن كانت تامة فلفظ {لى} متعلق بها وقوله: {أن أقول} الخ فاعلها، والمعنى: ما يقع لى القول بغير حق، والأول من الوجهين أقرب، وعلى أي حال يفيد الكلام نفى الفعل بنفى سببه.
وقوله عليه السلام: {إن كنت قلته فقد علمته} نفى آخرللقول المستفهم عنه لا نفيا لنفسه بنفسه بل بنفى لازمه فإن لازم وقوع هذا القول أن يعلم به الله لأنه الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء وهو القائم على كل نفس بما كسبت، المحيط بكل شئ.
وهذا الكلام منه عليه السلام يتضمن أولا فائدة إلقاء القول مع الدليل من غير أن يكتفى بالدعوى المجردة، وثانيا الاشعار بأن الذي كان يعتبره في أفعاله وأقواله هو علم الله سبحانه من غير أن يعبأ بغيره من خلقه علموا أو جهلوا، فلا شأن له معهم.
وبلفظ آخر السؤال إنما يصح طبعا في ما كان مظنة الجهل فيراد به نفى الجهل وإفادة العلم، إما لنفس السائل إذا كان هو الجاهل بواقع الأمر، أو لغيره إذا كان السائل عالما وأراد أن يعلم غيره بما يعلم هو من واقع الأمر كما يحمل عليه نوع السؤال الواقع في كلامه تعالى، وقوله عليه السلام في الجواب في مثل المقام: {إن كنت قلته فقد علمته} إرجاع للامر إلى علمه تعالى وإشعار أنه لا يعتبر شيئا في أفعاله وأقواله غير علمه تعالى.
ثم أشار بقوله: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب} ليكون تنزيها لعلمه تعالى عن مخالطة الجهل إياه، وهو وإن كان ثناء أيضا في نفسه لكنه غير مقصود لأن المقام ليس بمقام الثناء بل مقام التبرى عن انتساب ما نسب إليه.
فقوله عليه السلام: {تعلم ما في نفسي} توضيح لنفوذ العلم الذي ذكره في قوله: {إن كنت قلته فقد علمته} وبيان أن علمه تعالى بأعمالنا وهو الملك الحق يومئذ ليس من قبيل علم الملوك منا بأحوال رعيته بارتفاع أخبار المملكة إليه ليعلم بشئ ويجهل بشئ، ويستحضر حال بعض ويغفل عن حال بعض، بل هو سبحانه لطيف خبير بكل شيء ومنها نفس عيسى ابن مريم بخصوصه.
ومع ذلك لم يستوف حق البيان في وصف علمه تعالى فإنه سبحانه يعلم كل شئ، لا كعلم أحدنا بحال الآخر وعلم الاخر بحاله، بل يعلم ما يعلم بالاحاطة به من غير أن يحيط به شيء ولا يحيطون به علما فهو تعالى إله غير محدود وكل من سواه محدود مقدر لا يتعدى طور نفسه المحدود، ولذلك ضم عليه السلام إلى الجملة جملة أخرى فقال: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}.
أما قوله: {إنك أنت علام الغيوب} ففيه بيان العلة لقوله: {تعلم ما في نفسي} الخ، وفيه استيفاء حق البيان من جهة أخرى وهو رفع توهم أن حكم العلم في قوله: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك} مقصور بما بينه وبين ربه لا يطرد في كل شيء فبين بقوله: {إنك أنت علام الغيوب} أن العلم التام بجميع الغيوب منحصر فيه فما كان عند شيء من الأشياء وهو غيب عن غيره فهو معلوم لله سبحانه وهو محيط به.
ولازم ذلك أن لا يعلم شيء من الأشياء بغيبه تعالى ولا بغيب غيره الذي هو تعالى عالم به لأنه مخلوق محدود لا يتعدى طور نفسه فهو علام جميع الغيوب، ولا يعلم شيء غيره تعالى بشئ من الغيوب لا الكل ولا البعض.
على أنه لو أحيط من غيبه تعالى بشئ فإن أحاط تعالى به لم يكن هذا المحيط محيطا حقيقة بل محاطا له تعالى ملكه الله بمشيئته أن يحيط بشئ من ملكه من غير أن يخرج بذلك من ملكه كما قال تعالى: {ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء} (البقرة: 255).
وإن لم يحط سبحانه تعالى بما أحاط به كان مضروبا بحد فكان مخلوقا تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. اهـ.

.قال صاحب التفسير الواضح:

{وَإِذْ قالَ اللَّهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
هذا سؤال من اللّه- عز وجل- لعيسى خاصة حتى يجيب فتكون إجابته توبيخا لمن ادعى غير إجابته، ودليلا على أن قومه غيروا بعده وبدلوا وادعوا عليه كذبا وبهتانا لم يقله، وإنكاره بعد سؤاله أشد في التوبيخ وأبلغ في التكذيب.
المعنى:
واذكر يا محمد وقت قول اللّه لعيسى بن مريم: أأنت قلت للناس اتخذوني وأمى إلهين متجاوزين بذلك توحيد اللّه وإفراده بالعبادة والتقديس؟! فاللّه يسأل للإنكار والتوبيخ، أقالوا هذا القول وافتروا هذه الفرية بأمر منك أم هو افتراء واختلاق من عند أنفسهم؟
واتخاذ الآلهة من دون اللّه يكون بعبادتهم، أو إشراكهم في العبادة، على معنى أن لهم تصريفا أو أنهم يقربون إلى اللّه زلفى {ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى}.
وقد نعى اللّه سبحانه وتعالى على المسيحيين اتخاذهم المسيح إلها وكذا أمه، وعبادته وأمه معروفة في الكنائس الشرقية والغربية. نعم قد أنكرت فرقة البروتستانت عبادة أمه.
وما العقيدة الجديدة التي أثبتها بابا روما في هذه السنين ورد عليه بعض العلماء ببعيدة.
ولا أدرى أظل الدين ناقصا حتى كمل في القرن العشرين؟؟
أم أن رجال الدين عند المسيحيين لهم حق المحو والإثبات في العقائد! اللّه أعلم بذلك، قال عيسى: سبحانك يا رب! وتنزيها لك وتقديسا! ما يكون لي، ولا ينبغي لي أن أقول ما ليس بحق أصلا وكيف يصدر هذا منى؟
وقد عصمتني وأيدتنى بروح من عندك. إن كنت قلته فقد علمته فأنت تعلم الغيب والشهادة، وتعلم سرى وضميري، وأنا لا أعلم شيئا مما استأثرت به من بحار علمك إنك أنت علام الغيوب. اهـ.

.قال الفخر:

قصة عيسى عليه السلام:
وفيها شبهتان:
الأولى: تمسكوا بقوله تعالى: {وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وامى الهين} من وجوه:
الأول: ان عيسى عليه السلام ان كان قال هذا الكلام فالاشكال قائم. وان لم يقل كان الاستفهام عبثا.
الثاني: ان النفس هي الجسد فقوله تعالى: {ولا أعلم ما في نفسك} ظاهره يوهم اثبات الجسم لله تعالى.
الثالث: ان كلمة (في) للظرفية، وهى لا تجئ الا في الأجسام.
والجواب: عن الأول انه عليه السلام ما قال ذلك وللاستفهام فائدة وهى تقريع من ادعى ذلك من النصارى، وعن الثاني أن النفس في اللغة بمعنى الذات، يقال: نفس الشيء ذاته، وعن الثالث أن المراد حلول الصفة في الموصوف.
الشبهة الثانية: في قوله تعالى: {إن تعذبهم فانهم عبادك وإن تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم}.
الجواب المقصود من هذا الكلام تفويض الأمر إلى الله تعالى بالكلية وترك الاعتراض وتحقيق معنى {لا يسئل عما يفعل}. اهـ.
قال الفخر:
هذا تأكيد للجملتين المتقدمتين أعني قوله: {إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وقوله: {تَعْلَمُ مَا في نَفْسِى وَلاَ أَعْلَمُ مَا في نَفْسِكَ}. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الغيوب} ما كان وما يكون، وما لم يكن وما هو كائن. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {إنّك أنت علاّم الغيوب} علّة لقوله: {تعلم ما في نفسي} ولذلك جيء بِ (إنّ) المفيدة التعليل.
وقد جمع فيه أربع مؤكّدات وطريقة حصر، فضمير الفصل أفاد الحصر، وإنّ وصيغة الحصر، وجمع الغيوب، وأداة الاستغراب. اهـ.

.قال محمد أبو زهرة:

{ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق}.
فى هذا تأكيد للنفى من وجوه ثلاثة:
أولها- أنه نفى أن يكون شأنه ذلك القول، فلا يمكن أن يصدر عنه، فهو لم ينف القول فقط، بل نفى احتمال أن يقول، ونفى احتمال القول أقوى في الدلالة من نفى المقولة.
ثانيها- أن كلامه يدل على أن ذلك غير معقول في ذاته، فكيف يقول.
ثالثها- أنه أثبت أنه مستحيل قوله لأنه ليس بحق. {إن كنت قلته فقد علمته}.
ثانيها- أن كلامه يدل على أن ذلك غير معقول في ذاته، فكيف يقول.